كرهني الكثير... فقط لأني خلقت بشخصية لا تحب المجاملة والنفاق
كرهني الكثير... فقط لأني خلقت بشخصية لا تحب المجاملة والنفاق
يولد الإنسان وهو يحمل في داخله ملامح شخصية تميّزه عن غيره؛ طباع قد تكون سببًا في حب الناس له، وأحيانًا سببًا في نفورهم منه. وأنا كنت من أولئك الذين لم يسعوا يومًا إلى كسب قلوب الجميع بالكلمات المزخرفة أو العبارات الملطّفة التي لا تحمل صدقًا. خلقت بشخصية لا تحب المجاملة ولا تعرف للنفاق طريقًا، ولهذا السبب كرهني الكثير.
بين الصراحة والادّعاء
في عالم مليء بالأقنعة، يصبح من النادر أن تجد من يواجهك بالحقيقة كما هي. معظم الناس يفضّلون سماع ما يرضيهم، حتى وإن كان بعيدًا عن الواقع. لكنني لم أتعلّم أن أقول ما لا أشعر به، ولم أستطع أن أرسم ابتسامة مصطنعة أو أوزّع كلمات المديح على من لا يستحقها. كنت أرى أن المجاملة ليست سوى شكل من أشكال الكذب المغلّف باللطف، وأن النفاق خيانة للذات قبل أن يكون خيانة للآخرين.
أثمان الصدق
حين تختار أن تكون صريحًا، فإنك في الحقيقة تختار طريقًا صعبًا. كلماتك قد تجرح، حتى لو كانت صادقة، ومواقفك قد تُفهم خطأ، حتى وإن كانت نابعة من نية صافية. كثيرون ابتعدوا عني لأنهم لم يجدوا عندي ما يطرب آذانهم من عبارات الثناء الفارغ، وآخرون اعتبروا أن صدقي نوع من القسوة أو التعالي. ومع مرور الوقت، تكوّنت حولي دائرة صغيرة من الناس، بينما ابتعد الكثيرون.
راحة الضمير
ورغم ذلك، لم أشعر بالندم يومًا. نعم، خسرت علاقات وربما فرصًا، لكنني ربحت ما هو أثمن: راحة ضميري. أنام مطمئنًا لأنني لم أخدع أحدًا، ولم أبع كلامًا لا أؤمن به، ولم أضع قناعًا لأرضي من حولي. ربما كرهني البعض، لكنني أحببت نفسي أكثر حين اخترت أن أكون صادقًا.
المجتمع وأسرى الأقنعة
من المؤلم أن ندرك أننا نعيش في مجتمع يثمّن الكلام الجميل أكثر مما يثمّن الحقيقة. المدير يحب الموظف الذي يمدحه حتى وهو مخطئ، والصديق يميل لمن يجاريه حتى في أخطائه، والعلاقات تُبنى أحيانًا على عبارات التزييف لا على المواقف الصادقة. وفي مثل هذا الواقع، يصبح الصادق غريبًا، والمباشر ثقيلًا، والمجامِل محبوبًا.
الفرق بين الصراحة والوقاحة
أدرك جيدًا أن هناك فرقًا بين أن أكون صريحًا وأن أكون وقحًا. لم تكن صراحتي يومًا غطاءً للتجريح أو وسيلةً لإيذاء الآخرين، بل كانت موقفًا من النفاق فقط. كنت أحاول أن أقول الحقيقة بلطف، لكن حتى الحقيقة اللطيفة قد تكون موجعة أحيانًا، خصوصًا لأولئك الذين اعتادوا سماع المدائح الزائفة.
قوة الاستمرار على المبدأ
أن تعيش صادقًا مع نفسك هو أصعب أشكال القوة. أن تختار أن تخسر الآخرين ولا تخسر ذاتك، أن تختار الحقيقة ولو وحدك، أن تواجه نظرات الاتهام وكلمات الانتقاد وأنت تعلم أن في داخلك نورًا لا ينطفئ. لقد آمنت دائمًا أن من يكرهني لصدقي، هو نفسه من كان سيبتعد عاجلًا أو آجلًا لو اكتشف أنني أجامله كذبًا.
الخاتمة
كرهني الكثير... لكن ذلك لم يهزّني. على العكس، زادني إصرارًا على أن أكون كما أنا. فالحياة قصيرة جدًا لأمضيها في تمثيل دور لا يشبهني، والناس مهما أحبّوك لن ينفعوك يوم تقف أمام نفسك وأمام خالقك. اخترت أن أعيش حقيقيًا، ولو كان الثمن أن أُفهم خطأ أو أن أُحاط بالقليل من الرفاق. لأن الصدق في النهاية ليس مجرد خيار، بل هو جوهر الشخصية الحرة التي لا ترضى بالزيف

ليست هناك تعليقات: